عن المنتخب المغربية-بقلم/ بدر الدين الادريسي
أذكر أنني شددت في أعقاب النسخة المونديالية المميزة بل والتاريخية للفريق الوطني، ونحن نستفيق من المفاجأة الجميلة وكأس العالم تضع المغرب كرابع أفضل منتخبات العالم، على ضرورة الإستثمار في الإنجاز المونديالي الكبير، والإستثمار يكون في واقع الأمر، أفقيا باستدامة نجاحات المنتخبات الوطنية، والحرص على البقاء طويلا في قمة الهرم التي ما صعدناها صدفة، ولكن بعمل مضن وشاق استمر لأعوام كثيرة، ولا أخال أن هناك نجاحا يعقب المونديال التاريخي لأسود الأطلس بقطر، أفضل من أن يكون المنتخب الوطني للنسخة القادمة لكأس إفريقيا للأمم التي تستضيفها بلاد الفيلة مطلع العام القادم.
أما الإستثمار في الإنجاز عموديا، فيكون بالتعمق أكثر في قاعدة الممارسة، للوصول أكثر للمناطق التي لم يصلها بعد معول التقويم، بالمراهنة على فلسفة تكوين متطابقة مع طبيعتنا ومع متطلبات كرة القدم الحديثة، أملا في توسيع قاعدة تشكيل النخب، وهو ما يفرض على الأندية الوطنية، أن تنتقل بحكامتها وتدبيرها لمستويات أفضل مما هي عليه اليوم.
طبعا، إلى اليوم لم نتمكن من ضبط سرعة السير في هذا العمل الهيكلي العميق بالسرعة التي تتطلبها المرحلة، لوجود كثير من الأعطاب والإختلالات، ولو أن الإدارة التقنية الوطنية، باغتتنا قبل أيام وهي تتحدث عن مشروع وطني للتكوين، يحقق للمنتخبات الوطنية شبه اكتفاء ذاتي، بالتبضع من مراكز التكوين الوطنية، ليقتصر جذب اللاعبين من ذوي الجنسيات المزدوجة على 50 بالمائة.
اليوم، وقد تحقق لنا حلم طاردناه لمدة 35 سنة، والمغرب يعلن بلدا منظما لكأس العالم 2030، إلى جانب إسبانيا والبرتغال، باتت استدامة النجاحات والإستثمار في هذه المكانة الكبيرة التي يحتلها المغرب في المشهد الكروي العالمي، تطوقنا بالكثير من المسؤوليات، وأهمها أن نتصرف كبلد مستضيف بعد 7 سنوات من الآن لكأس العالم، تماما كما طالبت قبل أشهر أن نتصرف كرويا كبلد مصنف رابع عالميا في ميزان المونديال.
وأن نتصرف كبلد مستضيف للمونديال، لا يعني فقط، العمل بوثيرة متسارعة في كل الأوراش الضخمة البنيوية والهيكلية والإنشائية، التي يقتضيها تنظيم حدث كوني ككأس العالم، وهي أوراش متصلة اتصالا وثيقا بمشروعنا التنموي الكبير، ولكن أيضا أن نرتقي بثقافتنا الكروية ونجعل ملاعبنا وهي مسارح للفرجة خالية من كل بذرات العنف والشغب ومعزولة بالكامل عن كل المحظورات التي ترفعها الفيفا، وفي مقدمتها الشهب الإصطناعية والشماريخ التي تفقد المباريات جمالها وسحرها، وتعرضها في الغالب لتوقفات كثيرة تذبح الإيقاع.
ولكم أن تحصوا كل الفوارق التي توجد بين مباريات دولية تكون تحت إشراف الفيفا، وأخرى وطنية تقع تحت مسؤولية العصبة الوطنية لكرة القدم الإحترافية، فبينما تحضر الصرامة كاملة في مصادرة الشماريخ والمفرقعات والشهب النارية الضارة، لا نجد حقيقة ما يحول دون وجود هذه المفرقعات والألعاب النارية المحظورة في ملاعب البطولة الوطنية، برغم العقوبات والغرامات المالية التي تصدرها اللجنة التأديبية التابعة للجامعة بالإعتماد على اللوائح التنظيمية للمباريات، والتي تثقل في الواقع كاهل الأندية الوطنية.
إن فرجة المدرجات التي لطالما تغنينا بها كإعلام، وقلنا إنها تعوضنا أحيانا عن فقر المحتوى الكروي المعروض من اللاعبين، لا توجد أبدا في المفرقعات والشهب الحارقة التي تنشر سحبا من الأدخنة في الملاعب وتؤدي الأرواح والمرافق، ولكنها توجد في الرسائل الحضارية التي تحبل بها التيفوهات المرفوعة في تعبيرات كاليغرافية جميلة، بالإضافة إلى الأناشيد المحمسة للاعبين والتي تبدعها روابط الأنصار.
إن الرهان الكبير لمغرب المونديال الحاضن لأسود موندياليين، هو أن تنطلق من المغرب صور تقول إن بلادنا دخلت من الآن في فلك كأس العالم، تتجمل بسحره وتتخلق بأخلاقه، لذلك علينا أن نجعل من كل مباريات أنديتنا ومنتخباتنا الوطنية نشيدا نوصله بالصوت والحركة لكل العالم، صوت الإبداع الذي يجعل من كرة القدم لغة التسامح والمحبة والسلام.