عن المنتخب المغربية-بقلم/ بدر الدين الإدريسي
نعلم للأبطال والأساطير الذين بنوا لهم مجدا وأسسوا لهم إسما وخلدوا لهم في التاريخ ذكرى، قصصا مثيرة كثيرها موجع ومؤلم، فإن اختبر البطل عند صعوده القمم، في إرادته لكسر الخوف والشك واليأس مرة، فإنه يختبر في نفسه، في كينونته وفي تفاصيل حياته مئات المرات، فكم من مرة حادى الإحباط، وكم مرة جانب اليأس وكم مرة تمرد على الشقاء. وخديجة المرضى التي غدت يوم السادس والعشرين من شهر مارس الماضي بطلة للعالم في الملاكمة، تجر وراها جبالا من المعاناة والمرارة والشقاء، كانت تبيت على ضوء النجوم تغازل الحلم الكبير، تذرف الدموع وتطلق من الصدر زفرات العذاب، ولكنها أبدا لم تيأس، عاشت خديجة المرضي أهوالا يشيب لها الرضيع، ولكنها ما استسلمت ولا رفعت الراية البيضاء، بل بقيت مصرة على أن تصل لحلمها الكبير، وهل هناك من حلم أجمل من أن تصل لأعالي القمم، وقد اختارت لمسار الأمل وضع القفازتين في اليدين ودخول حلبة الملاكمة، لتكون بين سيدات وزنها في العالم هي الأقوى. منذ أن جاءت خديجة المرضى إلى الفن النبيل، وهي تقاوم بأنفة وكبرياء وشموخ سيدات هذا الوطن، عاديات الزمن ومصائب التنكر واللامبالاة، شقت طريقها وحيدة من كهوف مظلمة لا تبعث على الأمل، سارت بهامة منتصبة تكسر الرياح، رياح اليأس، وتبطل مفعول التبئيس والتبخيس الذي يرى منه الأبطال والبطلات أشكالا وصنوفا. كانت خديجة المرضى قريبة ذات مرة لتصعد البوديوم الأولمبي بريو دي جانيرو، لولا أن مؤامرات التحكيم التي توجد لها في الملاكمة الكثير من المراتع حالت دون أن يتحقق الحلم، وبرغم ما ذرفته خديجة من دموع الألم والأنين، إلا أنها ظلت تقبض على الأمل حتى لو كان جمرا مشتعلا، مرت في حياتها بكثير من المحطات التي تكره غيرها من النساء على رفع راية الإستسلام، لكن خديجة كانت مختلفة، فلها كاللبؤات أنياب من حديد تفتت الصخر وتحطم الطابوهات وتبيد من على الطريق ما يرمى من تبخيس، وفي تركيا تقدمت خطوات عملاقة على درب صناعة التاريخ، إلا انه من سوء حظها أنها واجهت في نهائي بطولة العالم ملاكمة تركية، وخسرت أمامها جولة في المسار، ولكنها لم تخسر معركة الحياة، لذا واصلت خديجة المشوار وهي موقنة أن أبواب المجد بدأت في وجهها تنفتح، تماما كما صخرة إيزيس، وفي الهند، في بلاد المهاتما، ستنجح الرائعة والصبورة والجسورة خديجة المرضي في نيل رضا الله، بأن من عليها بالتوفيق، فكانت كما حلمت وكما تمنت صانعة للسعادة، بأن أصبحت أول امرأة عربية وإفريقية تتوج بطلة للعالم في الملاكمة في وزن 81 كلغ بعد أن هزمت بكل علامات الإستحقاق الملاكمة الكازاخستانية كنغيباييفا لازات في النهائي التاريخي. نقدر الفرحة الكبرى التي تغطي اليوم سماء البطلة خديجة المرضى وهي التي أهدت المغرب ذهبيته الأولى في الملاكمة النسوية، مقتفية بذلك أثر ملهمة الكثير من الأجيال الأسطورة نوال المتوكل، أول سيدة عربية وإفريقية تنال الذهب الأولمبي، إلا أنني أوصي بأن نجعل من حياة المرضي بكل تفاصيلها، بمعاناتها ومكابدتها وأنينها وبصبرها وجلدها وشجاعتها، قصة تروى للأجيال الحالية والقادمة، قصة تقول بأن الكفاح الشريف ليس له من نهاية إلا النجاح، وأن الشموع مهما انطفأت في مسار الأبطال فإن ومضة نور واحدة تأتي على حين غرة لتضيء المكان كله. في تاريخنا الرياضي قصص إنسانية جميلة، تحكى عن أبطال وبطلات منهم خديجة المرضي، لينوا الحديد ليصنعوا لأنفسهم الزمن السعيد وليهدوا وطنهم اللقب المجيد، لعل ذلك يكون منصفا لغيرهم ومنقذا للآلاف من المواهب من الضياع. شكرا لك خديجة المرضى، نعم البطلة أنت، نعم المرأة المكافحة أنت، يكفيك ما نلته من مجد وأنت ترفعين علم بلادك عاليا، فلا تأهبي بمن يشغلن العقول الصغيرة والمنصات بالتفاهات وهن يتصورن أنهن يعطين البلد مجدا..