عن المنتخب المغربية-بقلم/ بدر الدين الإدريسي
لم نكن يوما من الذين ينفخون في نار الفتنة، ولا من الذين يرمون أعين الناس بالرماد لإلهائهم عن الحقائق، ولكن ما شاهدناه في مباراة الأهلي وبيراميدز عن مؤجل للبطولة المصرية، أخرجنا مثل كل من وقعت أعينهم على فيديو انتشر كالنار في الهشيم يظهر الشحات لاعب النادي الأهلي يوجه صفعة للمغربي محمد الشيبي مدافع بيراميدز، عن تحفظنا، الذي نبديه عادة لتصريف مكروه «عابر» قد يعكر صفو علاقتنا بالأشقاء المصريين.
ما كان يجب قطعا السكوت على تلك البلطجة التي أظهرها حسين الشحات، في نهاية المباراة التي خسرها الأهلي وهو متوج بلقب البطولة المصرية، وهو يشبع الشيبي شتما وتقديحا وتعنيفا لفظيا ويضيف عليه بكل بذاءة صفع الرجل أمام مرأى ومسمع من الجميع، وما كان الشيبي لحظتها وهو يحتفظ بهدوئه، ولا يرد السفاهة بأفظع منها طلبا للقصاص، ما كان متخاذلا ولا خنوعا ولكنه كان حليما ومتأدبا ومدركا أن الثأر ليس سوى وجبة تؤكل باردة كما يقول المثل الفرنسي.
طبعا، الشحات الذي يحتاج لإعادة تربية، أدرك فداحة بل وهمجية الفعل، وبحث سريعا عن صك الغفران، فقصد مستودع ملابس بيراميدز وطلب الشيبي، ليصمم مشهدا بئيسا يظهره وهو يعتذر للشيبي ويقبل رأسه وكأنه خارج للتو من «مدرسة المشاغبين».
لا أسأل، كيف سيأخذ الإتحاد المصري لكرة القدم للشيبي حقه، وهو مسؤول بحسب علمنا على لعبة كرة القدم وليس على لعبة مصارعة التيران، ولكنني حزين للبدع الإعلامية التي جاء بها من يحسبون تجنيا على الإعلام المصري، والذين يمثلون الجناح المتكسر في كرة القدم المصرية، أولا للتفاهات التي يصدرونها، وثانيا للفتاوى الباطلة التي يرمون بها يمينا وشمالا، وثالثا للميوعة التي ينشرونها في المشهد الرياضي والإعلامي المصري.
فبينما إستنكر عقلاء الصحافة المصرية ممن أنا فخور بمزاملتهم ومجايلتهم، هذا الفعل الأخرق ودعوا إلى تغليظ العقوبات المالية والرياضية لتأديب واحد من اللاعبين المنفلتين، وهو ما كان الأسطورة محمود الخطيب حكيما في إلتقاطه والإنصات له، فغلظ العقوبات لفداحة الجنحة، بينما عامل الحكماء الفعلة الدنيئة، بالصرامة التي يحتاجها الدفاع عن القيم الرياضية والقطع مع مثل هذه الإنفلاتات، كان هناك من أشباه المحللين، من نكرات كرة القدم المصرية، من زادوا الطين بلة، إذ أن هناك منهم من قال أنه «تكيف» بالصفعة إياها، ومنهم من طالب الشيبي بأن يكون شجاعا ويعترف بالكلام الذي قاله داخل الملعب وأشعل فتيل الغضب، وكأني بهؤلاء محامون منتحلون للصفة، يغطون الشمس بالغربال ويمسكون بخيوط هي أوهن من بيت العنكبوت ويدافعون عن “الشيطان”.
ما تذكر الشحات، وهنا لا أريد أن أتلاعب بأحرف إسمه، ما تذكر كيف عامله هو وجميع لاعبي الأهلي جمهور طنجة، عندما لعب الأخير مونديال الأندية بملعب إبن بطوطة، ما تذكر أن هذا الذي رفع يده ليصفعه هو واحد من أبناء المغرب، الذي أكرم وفادته ومنحه دعما وترحيبا لم يكن ليخطر على باله، ما تذكر هذا الشحات، الرسالة العميقة التي بعث بها الأسطورة محمود الخطيب للمغرب وتحديدا لساكنة مدينة طنجة، شاكرا وممتنا ومعترفا بالفضل لأهل الفضل، وعني لا تذكرها ولا عرف مغزاها، فأنا من الذين يطالبون بالربط على المشاعر، برغم أنني رافض للإذاية ومستنكر للجسارة و«الضسارة» والفرعونية الفارغة لبعض اللاعبين، فليس هناك عاقل في مصر قبل أو يقبل بهذا الذي أتى به الشحات، أعرف أن المصريين الشرفاء لم يقبلوا بهذا الذي شاهدوه أيا كانت النوازع والمحرضات على فعله، أما من «كيَّفهم» الفعل الشنيع، فمكانهم بالتأكيد مزبلة التاريخ، وليس استوديوهات التحليل التي باتت تتدنس ب«محللين فالصو».
من حق، بل من واجب محمد الشيبي أن يترافع في كل مكان من أجل الإنتصار لكرامته، ومن حقه أن يقاضي الشحات لأنه إنتهك حرمة الممارسة وحاول تدنيس شرف الرجل، ومن حقنا نحن أن نطالب الإخوة في مصر أولا برفع درجة الصرامة لمعاقبة هكذا فعل، حتى لا يصبح الدوري المصري مستنقعا تسبح فيه الحيتان الفاسدة، ومن حقنا ثانيا أن نطالب الأوصياء على الإعلام بمصر بمناهضة «محللين» نرجسيين لا ينصبون مفعولا ولا يرفعون فاعلا، وإنما يخربون بلا استيحاء كل قواعد الإعراب والتعبير عن سمو الأخلاق الرياضية.