عن المنتخب المغربية-كتب/ بدر الدين الادريسي
كان الرجاء الرياضي بحاجة لأن يطلق سنا ضوؤه هناك في أقصى القارة، ألا يكترث بمشاق السفر ولا بساعات التحليق جوا صوب جنوب إفريقيا، والله وحده يعلم كم هو مضن ذاك الرحيل لآخر الدنيا، ويحقق الفوز على أمازولو بدوربان ليعيد ميزان الثقة لوضعه الطبيعي، وليصحح ما اختل في صورة تسيد المجموعة، بعد السقطة غير المتوقعة بغينيا أمام هورويا كوناكري، وقد فعل غير مكترث ولا متأثر بكل ما أسلفت، وأيضا بالغيابات الوازنة التي سجلتها صفوفه.
وكان الوداد الرياضي وقد أمن العبور للمرة الثامنة تواليا للدور ربع النهائي لعصبة الأبطال، بعد فوزه المزدوج على كبير القوم هناك بمصر، نادي الزمالك، كان بحاجة لما يجعله آمنا مطمئنا على تأهله متصدرا للمجموعة الرابعة، فقد أهداه الزمالك قبسا من الأمل وهو يرغم بيترو أتلتيكو الأنغولي على التعادل سلبا بميدانه ليحرمه من نقطتين، وقد أحسن الوداد التقاط الهدية لأنه نجح في الفوز هناك بلواندا على ساغرادا، وصل للنقطة 12 إسوة بغريمه الرجاء، وبات التأهل متصدرا للمجموعة يفرض تعادلا على الأقل هنا بالدار البيضاء أمام بيترو أتلتيكو في آخر الجولات.
ما اشترك فيه الرجاء والوداد، في مباراتيهما تواليا بجنوب إفريقيا وبأنغولا، هو أنهما غالبا وقاوما كل الظروف، ظروف التنقل في ظرف أسبوع بين أحراش القارة، وظروف الغيابات الإضطرارية وإكراهات اللعب تحت مؤثرات كثيرة، ونجحا معا في تحقيق الفوز كل على شاكلته، ليكون ذلك دليلا على أنه أصبحت للفريقين معا شخصية إفريقية لا يجب بالقطع التفريط بها تحت أي ظرف أو طارئ، لأن هذه الشخصية الإفريقية تكتسب بتراكمات وباستثمار جيد لكل ما يأتي به السفر الإفريقي الموصول من مكاسب.
إلى مباراة أمازولو، جاء الرجاء ممنوعا من تكرار ما حدث معه في غينيا حيث سقط أمام هورويا، من دون أن يكون ذلك دليلا على قصوره، فقد كان السقوط بجنوب إفريقيا سيجني على الرجاء ولربما يضرب في الصفر كل الذي حققه في الثلاث جولات الأولى عندما حقق بامتياز العلامة الكاملة، كانت المباراة تفرض قوة شخصية وصلابة دفاعية ونجاعة هجومية وتدبيرا جيدا لمتغيرات تلك المباراة، وهذا ما حدث بالفعل، فمع انتقال الطوسي لشاكلة 3ـ4ـ3، أقفلت المعابر والممرات، وجرت السيطرة كاملة على وسط الميدان، وقدم أحداد لمدربه ولنا جميعا السيناريو المبحوث عنه في لقاءات مثل هاته، عندما سجل هدفا رائعا، وترك أمازولو يهيم على وجهه لا يمسك للمباراة خيطا.
ومع لجوء وليد الركراكي للمداورة في مباراة ساغرادا هناك بأنغولا التي سقط الوداد بها قبل ذلك أمام بيترو أتلتيكو، شعرنا بالفعل أن الوداد تغيرت فيه أشياء كثيرة، فلا شك أن غياب يحيى جبران وأيمن الحسوني، أكبر بكثير من أن يعوض هكذا من دون أن تكون لذلك فواتير سددها الوداد بشكل سريع وهو يستقبل هدفا تأخر به أمام ساغرادا خلال الشوط الأول، وكان يرمز وقتها إلى أن الوداد سيحتاج حسابيا إلى أن يفوز في آخر مواجهة أمام بيترو أتلتيكو إن هو أراد أن يتأهل للدور ربع النهائي متصدرا للمجموعة.
سينفخ وليد في الرماد لعله يكشف جذوة الإبداع ليضيء المباراة في جولتها الثانية، وقد أفلح في ذلك، كما أفلحت شخصية الوداد مع ما قام به وليد من تغييرات، في إعادة ساغرادا لحجمه التكتيكي الطبيعي، بل إنه سيتمكن جراء تسيده لهذه الجولة من التعديل أولا بهدف زهير المترجي، ومن التقدم ثانيا بهدف تسومو الذي غطى على الجفاف المستفز لزميله غي مبينزا.
صحيح أن الوداد الرياضي فاز على ساغرادا وقبض على الصدارة، بفضل ما أبدعه وليد من متغيرات بشرية حركت ما كان راكدا في الأداء الجماعي، ولكن ذلك حدث لأن الوداد باتت له هذه الشخصية الإفريقية التي تجيد السفر عبر الأحراش، والتي تحسن الإستثمار في الإرث، وأكثر منه تلين الحديد وتقاوم الصعاب، بل وتستسهل كل صعب.
بالطبع، أحلامنا وقد وجدنا لقوة الشخصية الإفريقية في الوداد والرجاء ملمحا، لا تقف عند مجرد ضمان العبور إلى الدور ربع النهائي متصدرين لمجموعتيهما للإستفادة من المكتسبات، ولكن تتعدى ذلك إلى المنافسة على لقب عصبة الابطال، ولا أعتقد أنها أضغاث أحلام.