عن المنتخب المغربية-بقلم / بدر الدين الأدريسي
كل ما كان في مونديال قطر، رائع تجاوز حدود الخيال، فما توقع أحد أن يكون المنتخب المغربي بطلا غير متوج بكأس العالم، منتخب حصد الإعجاب وعلامات التفرد والتميز، بل إنه بحلوله رابعا سيخلد بلا شك في ذاكرة التاريخ.
لذلك يصعب علينا جميعا أن نخرج سريعا من سحابات الدهشة ومن غلالات الفرح، أن نطوي على عجل صفحة مونديال قطر وقد امتلأت بالوشاحات والقلادات وتعابير الفخامة، يصعب علينا أن ننسب الفعل الإعجازي للماضي حتى لو كان قريبا، لأن ما حدث بقطر وشم جميل ورائع لا تستطيع الأيام أن تزيله.
ولكنها الحياة، التي لا يتوقف قطارها طويلا عند محطة معينة، مهما كانت تلك المحطة تاريخية بل وأسطورية، فغدا هو بالتأكيد يوم آخر..
واليوم الآخر سيسألنا بلا أدنى شك عما سنفعله بالإرث، سيسألنا عن الذي نحن فاعلون بمشروعنا الكبير «استدامة النجاح»، إن خرجنا منتصرين من جهاد كروي، كيف نبدأ لتونا في التحضير لجهاد كروي أكبر منه، فإن نسبنا موضوعيا هذا النجاح المونديالي المبهر لعمل أنجزناه في العمق بإعمال الإحترافية في الإشتغال، كان لزاما أن نستثمر في الإنجاز وفي الإرث لاستدامته، ولعمري، هي مسؤولية كبيرة بل وشاقة ومضنية، لأن ما هو صعب في حياة الشعوب الحالمة، ليس الوصول للقمة، بل البقاء لأطول مدة ممكنة في هذه القمة.
وتخبرني مشاهداتي ومعايشتي لكرة القدم الوطنية على مدى أكثر من أربعة عقود من الزمن، أن تاريخنا الكروي كان عبارة عن قطائع لا عن وصالات، عن ثورات نعلنها بعد الخيبات والنكبات، لا عن استثمار في النجاحات والإنجازات، لذلك فإن خوفي كبير أن لا يكون الإنجاز التاريخي لفريقنا الوطني، وهو يضع كرتنا بين أفضل أربع «كرات قدم» في العالم، مصدرا للإلهام وإرثا ضخما يجري الإحتفاظ به، بل وإغناؤه بالإستثمار فيه.
خوفي ألا يكون وصولنا إلى مربع الأقوياء في كأس العالم، كأول بلد عربي وإفريقي يحقق ذلك، محركا قويا لإرادة العمل الجماعي، فالفريق الوطني دلنا على طريق واحدة لا ثاني لها، يجب أن نمشي فيها واثقين وشامخين، طريق البناء على الإنجاز لكي نستحق مرتبتنا بين الأوائل، وأكثر شيء يجب أن نرتقي به ليتشبه بالكبار عالميا، هي بطولتنا الإحترافية التي يجب أن تخلو من كل الشوائب الرياضية والسلوكية وحتى التدبيرية، هي أنديتنا التي يجب أن ترتفع قليلا فوق الإتكالية والعيش على الفتات والندب على موائد الأزمات، لتكون صاحبة مبادرة في بناء الصرح الكروي الصامد أمام غارات الزمن، هم لاعبونا الذين رأوا في ما أنجزه خريجو البطولة مع الفريق الوطني بكأس العالم، ما يجعلهم دائما وأبدا يحلمون، ما يعطيهم الثقة أنهم بالعمل وحده يستطيعون، فلا مستحيل يثبط العزائم.
لا التاريخ سيسقط من صفحاته ما أنجزه فريقنا الوطني بالمونديال، ولا الذاكرة الجماعية ستسقط عنها صور العناق الشعبي والفرح الجماعي والفخر الوطني، ولكن أكثر ما سيذكره التاريخ ويقدمه إرثا للأجيال القادمة، أن المغرب جعل من كأس العالم قطر 2022، محطة حاضرة باستمرار في الذاكرة الجماعية، تلهم وتشجع وتدفع لرفع سقف الطموح عاليا، لأن نكون على الدوام، شعبا عالي الهمم، لا يرضي بين الأمم بغير العيش في القمم..