عن المنتخب المغربية-بقلم/ بدر الدين الإدريسي
للديربي قصص وحكايات، عشناها ورويناها وأرخناها على مدار عقود من الزمن، منذ أن أبصر النور مع مولد البطولة الوطنية لفترة ما بعد الإستقلال، وقد كان هذا الديربي، صورة من هذا المغرب الذي يتطور ويتحرك ويتنمى ويبدع في التعريف بمكنونات تاريخه الممتد لقرون من الزمان، بل إن الديربي بكل حمولاته ومرجعياته التاريخية، غدا لوحده تأريخا لحقب من ماضينا وحاضرنا الوطني، وبخاصة شغفنا الجماعي بكرة القدم وتعبيراتنا الجماعية عن صدق الإنتماء لكل ما يحمل الرمزية.
ويستطيع مركب محمد الخامس بالدار البيضاء الحاضن لهذا الديربي منذ النشأة، أن يروي لنا الكثير من تلك القصص والأحداث التي عاشها، فخلدته في الذاكرة الجماعية، ثم جعلت منه الديربي الأرقى والأجمل بين كل ديربيات العالم.
وإن حكى الديربي عن سيرته الذاتية، ربط عنفوانه وشموخه بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء، وربط أيضا أوجاعه ومعاناته بابتعاده ونأيه عن هذا الصرح الرائع.
لذلك، ما وجدت جامعة الكرة والعصبة الإحترافية، من حدث يفتتح مركب النار وقد جرى تحيينه وتحديثه، تحسبا للموعد الكروي الإفريقي الكبير، سوى الديربي الذي هو قطعة من روحه، إلا أن ما جرت به رياح الغضب المدفون في وجدان جماهير الغريمين، ما كانت لتشتهيه الجامعة والعصبة وحتى الديربي ذاته، فقد أشهرت الفصائل المناصرة للوداد والرجاء بشكل مشترك مقاطعتها لهذا الديربي الإحتفالي، وما تنازلت عنه برغم ما قدم لها من ترضيات، لتقتص هذه المقاطعة من الديربي فاصل المتعة والإبداع الذي يجمله في عيون الناس، مع الإعتذار لبضعة آلاف ممن نزعوا طوق «الوصاية» وحضروا حتى لا تتألم المدرجات من وقع «الهجران».
ومع اليقين التام من أن «المقاطعة» المعلنة والمتشبث بها، أضرت بالديربي أولا لأنها كسرت أقوى أجنحته، وضربت في الصميم كل نوايا الإحتفال بافتتاح مركب النار ثانيا، وجددت ثالثا خسائر الوداد والرجاء ماليا، وقد كانا يتوقعان معا حضورا قياسيا للجماهير، لالتقاط الأنفاس بعد طول حصار، إلا أن «المقاطعة» كقرار وفعل وسلوك يجب أن تكون موضوع نقاش ناضج ينأى بنفسه عن التشنجات، حتى لا تتسع دائرة الجفاء، ويضج المشهد بتبادل التهم والعتاب.
وأيا كان موقفنا من هذه «المقاطعة» المفعَّلة من الفصائل المناصرة للوداد والرجاء، فإن إحداثيتها وتأثيرها السلبي ليس فقط على الديربي ولكن على علاقة أفراد عائلة كرة القدم، تلزمنا بأن نتمحص في قراءة المسببات والمبررات وحتى التداعيات، فعلاوة على أن المقاطعة كانت ردة فعل قوية من جماهير شعرت بأنها أهينت وتم التضييق عليها وكيلت أمورها بمكيالين، فإنها تعكس مساحة حرية التعبير المكفولة لأبناء هذا الوطن، في أن يرتفع الصوت بالشكوى والإحتجاج عند وقوع الضرر، لذلك لا يمكن أن نعامل المقاطعة، بالمبدأ الشائع بيننا «كم من أمور قضيناها بتركها»، لأن من شأن «بلقنة» المشهد والحدث، وتبخيسه، أن يترك فجوة كبيرة داخل عائلة كرة القدم، وهي أحوج ما تكون إلى التكاتف والتعاضد والتلاحم لرفع التحديات الكبيرة التي تواجهها بلادنا، من التحضير لأحداث رياضية كبرى إلى إبطال مفعول التشويش الذي يأخذ هذه المقاطعة من منظورها السلبي ليحولها إلى الدراع المتوجع.