عن المنتخب المغربية / SME
الرجاويون قلقون من وعلى نسورهم، ولهم كامل الحق في إظهار القلق على حال بئيس يشحن الطاقة السلبية ويرفع الضغط، بل ويفتح الباب على مصراعيه للشك والإرتياب واليأس حتى، من قدرة النسور الخضر على العودة مجددا للتحليق.
ومع التحفظ الكامل على خروج البعض عن النص الأخلاقي والموثق الرياضي، بإطلاق نعوت وتشبيهات وتقديحات مسفة ومسيئة وتنزع للعنف اللفظي، إلا أن ما يقلقني أنا في الرجاء، ليس هذا الإحتباس الرقمي الذي جعل الفريق مثلا لا يفوز في أي من مبارياته الأربع حتى الآن في البطولة الإحترافية، ولا يحصل سوى على 3 نقاط من أصل 12 نقطة ممكنة، ليبتعد بسبع نقاط كاملة عن الصدارة، ليس هذا ما يقلقني بالذات، لأن النسر بمقدوره أن يعاود التحليق عاليا فيرأب صدع النتائج السلبية، ويردم الهوة الرقمية التي تفصله عن الآخرين، برغم أن الرجاء اتخذ قرارا جريئا يقضي بإعادة بناء الهيكل البشري، غير القرار الإضطراري الذي اتخذه بخصوص عارضته التقنية التي سحبها سريعا من التونسي الشيخ فوزي البنزرتي وأودعها لمواطنه منذر لكبير.
ما يقلقني ويقلق حكماء الرجاء، أكانوا من مرجعياته أم من مناصريه، هو أن الرجاء أضاع هويته التقنية، أو على الأقل أضاع جزء كبيرا منها، وما تبقى لا يسمح للإحتفالية الرجاوية كنمط جد متقدم في العرض الكروي بأن تكون حاضرة في الأداء الجماعي للفريق.
وسيخطئ في التقدير الذي قد يؤدي للإختلاف النوعي، كل من يعتقد أن ما أتحدث عنه هو اللعب الإستعراضي والفرجوي الذي ميز الرجاء أداء بل ومنحها تميزا خلال عقود زمنية غابرة من دون أن يمنحها ألقابا، لأن الهوية التقنية التي أتحدث عنها هي إرث ومرجع وأساس لا يمكن للفريق أن يحيد عنه، ومتى ضاعت من أي فريق هويته الفنية على الخصوص، ضاعت منه بطاقته التعريفية الدالة على شخصه.
أنظروا لكل أندية العالم التي تتميز بشموخها وديمومتها، أنظروا لريال مدريد وبرشلونة الإسبانيين وبايرن ميونيخ الألماني وبنفيكا البرتغالي وأياكس الهولندي، فقط هؤلاء حتى لا أسرد غيرهم، يستحيل أن يقبل أحدهم بمدرب يأتي فيعبث في الهوية التقنية، بل إنه يستحيل على رجالهم أن يخطئوا، إلا لماما، في انتداب المدرب الذي يتطابق مع تلك الهوية ويستطيع أن يبدع تحت ظلها، فما الذي أفقد الرجاء هذه الهوية، أو على الأقل النسبة الكبيرة منها؟
هنا ستقفز للمشهد الكثير من الأجوبة، ومنها أن الرجاء إنما شرع في التفريط في هويته من اللحظة التي لم يطور فلسفة التكوين بتطور محتواها المضطرد، فتراجع بشكل كبير تفريخ لاعبين من مركز التكوين يعبرون تقنيا عن كينونة الرجاء، ومن اللحظة التي استوجب الشح في تفريخ لاعبين مكونين ومؤهلين من مركز الرجاء، اللجوء لانتدابات لم تحترم بالأساس المقاسات التقنية والتكتيكية التي تسمح بالإبقاء على هذه الهوية، وطبعا كان ثالث المتسببين في تلاشي الهوية، أن الرجاء استقدم في أحايين كثيرة، مدربين قد يبرعون في اصطياد الألقاب ولكنهم يفعلون ذلك بسبق إصرار على ضرب الهوية التقنية للرجاء.
أذكر أن ريال مدريد استقطب المدرب الإيطالي الكبير فابيو كابيللو وقد كان في ذاك الوقت مساهما في صناعة المجد الميلاني أوروبيا، ونجح كابيللو في إعادة لقب الليغا للفريق الملكي وقد غاب عنه لسنوات، إلا أنه أقيل لأن مجتمع ريال مدريد اتفق على أن طريقة كابيللو لا تحترم قواعد الإحتفالية التي يقوم عليها الأداء الجماعي، وهي الوجه الذي يبرز الهوية التقنية المدريدية.
وليستعيد الرجاء الرياضي هويته كاملة، ويشع ضوؤه الأخضر في سماء المغرب وإفريقيا، فإنه يحتاج لوقت طويل، يكون فيه الإشتغال علميا ودقيقا في أكاديميته الجديدة، ويكون فيه الإرتباط بمكونين عارفين جيدا بهوية الرجاء في قدرتها على التجاوب مع أحكام كرة القدم الحديثة، كما يكون التعاقد ضروريا مع مدربين يستطيعون إبداع أنماط تكتيكية لا تخرج عن روح وهوية الرجاء، وتحتاج أكثر من هذا لجمهور صبور، جمهور يفرمل الأحاسيس ويتحمل الألم إن هو شعر بأن الرجاء بصدد استعادة هويته المفقودة.